وعلى كل حال، فليس المقصود هنا استيفاء العبادات، وإنَّما المقصود: بيان أن الأيام التي تحدثُ فيها النِّعَم العظام مرَّة من الزمان لا يجعلها الشرع أعيادًا، وإنَّما يجعلها مواسم للعبادات؛ شكرًا على تلك النِّعَم، مع حِكَمٍ أخرى.
أمَّا المقاصد السياسية في الأعياد فأهمها: الاجتماع؛ ليطَّلع كلٌّ من أفراد الأمة على أحوال غيره، ويتبادلوا الأفكار، ويوحدوا صفَّهم، وغير ذلك.
وقد راعتِ الشريعة الإسلامية الاجتماعَ على غاية ما يمكن؛ فشُرِعَت الجماعة في الصلوات الخمس لأهل كل قريةٍ أو محلّةٍ، وشُرِعَ تقليل المساجد وتوسيعُها؛ حتى لا يزيد عددها على قدر الحاجة، فيكون الزائد كمسجد الضرار تفريقًا بين المؤمنين، مع ما في ذلك من تحجير البقعة لغير حاجةٍ، وكان يمكن أن تنفع المسلمين باتخاذها مدرسةً أو نحوها.
وبعض الأئمة يرى أنَّ الجماعة فرض عينٍ؛ بل منهم من جعلها من شروط الصلاة.
ثم شُرِعت الجمعة ليجتمع أهل كل مدينةٍ في مسجدٍ واحدٍ؛ ولذلك لم يُجوِّز بعضُ الأئمة تعدُّد الجمع في البلد الواحد وإن اتّسعَ وضاق المسجد، بل يجب على المسلمين توسيع المسجد ولو إلى أميال. وهذا هو الموافق للسنة، وعمل القرون الأولى مع اتساع المدن وكثرة الناس، وهو الموافق لحكمة الاجتماع.
ثم شُرِع العيد لاجتماعٍ أعمَّ من الجمعة؛ حتى شُرع فيه إخراج النساء؛ صغارًا وكبارًا، حتى الحيَّض ــ كما مرَّ ــ. وبعض الأئمة يرى أن العيد فريضة.