للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العلمي والرئاء الديني.

وفي كتابه أشياء تدلّ على قُرب وأشياء تدلُ على بُعد، وعبارته هذه ونحوها قريب من الضرب الأول، وتلفت النظر إلى الثاني، فمنه ما مرّ في أول كتابه من الإشارة إلى أن جميع الذين اشتهروا في القرون الأولى بالعلم والإمامة ليسوا عنده علماء. ويأتي كلامه في الصحابة رضي الله عنهم، وهَجْوُه السُّوقيّ لأبي هريرة رضي الله عنه، ومحاولته قلب محاسنه عيوبًا، والاستدلال بالحكايات الكاذبة للغضِّ منه، واختلاق التهم [ص ٩] الباطلة لتكذيبه؛ وذلك يُنبِئ عن فقرٍ مُدْقع من توقير النبي - صلى الله عليه وسلم - واحترام جانبه، وجحودٍ شديد لبركة صُحبته وملازمته وخدمته.

وأهمّ من ذلك أن أبا ريَّة يقسِّم الدين إلى عام وخاص، ويقول: إن العام هو الدلائل القطعية من القرآن، والسنن العملية المتواترة التي أجمع عليها مسلمو الصدر الأول، وكانت معلومةً عندهم بالضرورة. انظر ص ٣٥٠ في كتابه. ثم يعود فيقرِّر أنّ الدلائل النقلية كلها ظنية. انظر ٣٤٦ و ٣٥٣ منه. وأنَّ الدين كله في القرآن لا يحتاج معه إلى غيره "حسبنا كتاب الله" انظر ص ٣٤٩ منه. وأنه "لا يلزم من الإجماع على حُكْمٍ مطابقته لحكم الله في نفس الأمر". انظر ص ٣٥٢ منه.

ومجموع هذا يقتضي أن يكون الدين كلّه خاصًّا عنده. ومعنى الخاص ــ على ما يظهر من كلامه ــ أنَّ الدين فيما عدا الأمور القضائية "موكول إلى اجتهاد الأفراد" كأنه يريد أنه قضية فردية تخصُّ كلّ فرد فيما بينه وبين الله لا شأن له بغيره ولا لغيره به. وفي الأمور القضائية "موكول إلى أولي الأمر" كأنه يريد أن للمقنِّن أو القاضي أن يأخذ بالحكم الديني إذا وافق رأيه وله أن