للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله المتفرّد بالكمال، ذي الجلال والإكرام، القائل في محكم الفرقان: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦٩]، والصلاة والسلام على سيد الأنام القائل ــ فيما رواه الشيخان ــ: "من يرد الله به خيرًا يفقِّهْهُ في الدين" صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فمما لا ريبَ فيه أن الله تبارك وتعالى قسم العلوم على الخلق كما قسم أرزاقهم، وجعل حظوظهم منهما متفاوتة، ودرجاتهم متباينة، فمنهم الغني في علمه وماله، ومنهم الفقير فيهما، ومنهم الغني في أحدهما الفقير في الآخر، وهذه سنّتُه الكونية الشرعية مذ خلق الإنسان إلى أن تنقضي الدنيا وتزول، يفتح على مَن يشاء من المتأخرين ويخصه من لدنه علمًا، كما فتح على بعض المتقدمين وخصَّهم بما شاء من العلم والفضل، والإنصاف أنَّ تقدّم الزمان وتأخره ليس برهانًا على الأفضلية حاشا القرون الثلاثة المفضلة، قال الجاحظ: "وكلامٌ كثير قد جرى على ألسنة الناس وله مضرة شديدة، وثمرة مُرَّة، فمِن أضرِّ ذلك قولهم: "لم يدع الأوَّل للآخر شيئًا" قال: فلو أنَّ علماء كل عصر مُذْ جرت هذه الكلمة في أسماعهم تركوا الاستنباط لِمَا لم يَنْتَهِ إليهم عمَّن قبلهم، لرأيتَ العلم مختلًّا. واعلم أنَّ العلم إنَّما هو معدن، فكما أنَّه لا يمنعك أنْ ترى ألوف وِقْرٍ قد أخرجت من معدن تبْرٍ أن