يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالَكم ... ». فمِنْ حينئذ التزم أهل العلم الإسناد، فأصبح هو الغالب، حتى استقرّ في النفوس، وصار المتبادر مِنْ قول مَنْ قد ثبت لقاؤه لحذيفة:«قال حذيفة: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول ... » أو نحو ذلك= أنه أسند، ومعنى الإسناد: أنه ذَكَر مَن سمع منه، فيفهم مِن ذاك القول أنه سمع من حذيفة، فلو قال قائل مثل ذلك، مع أنه لم يسمع ذاك الخبر من حذيفة وإنما سمعه ممن أخبر به عن حذيفة، كان موهمًا خلاف الواقع.
وهذا العُرْفُ لم يكن مستقرًّا في حقِّ الصحابة لا قبل الفتنة ولا بعدها، بل عُرْفُهم المعروف عنهم أنهم كانوا يأخذون عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بلا واسطة، ويأخذ بعضهم بواسطة بعض، فإذا قال أحدهم:«قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ... » كان محتملًا أن يكون سمع ذلك من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأن يكون سمعه من صحابيٍّ آخر عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. فلم يكن في ذلك إيهام.
وأما الثاني: فلم يكن ثَمَّ احتمال لأن يكون الواسطة غير مرضيّ؛ لأنهم لم يكن أحد منهم يرسل إلا ما سمعه من صحابيٍّ آخر ــ يثق به وثوقه بنفسه ــ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن أحد منهم يرسل ما سمعه من صبيّ أو من مغفَّل أو قريب العهد بالإسلام أو من مَغْمُوصٍ بالنفاق أو من تابعي.
وأما الثالث: فلم يكن من شأنهم رضي الله عنهم.
وأما الرابع: فتبع الأول.
وأما الخامس: فلا ضرر في الاحتمال مع الوثوق بأنه إنْ كان هناك واسطة فهو صحابيّ آخر.