للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٤٣)

[ل ٤٩] الحمدُ لله المنجزِ وعدَه بنصر من نصَرَه، المؤيِّدِ دينه بتأييد من عضَّدَه وأظهَرَه، وتدمير من بدَّله وغيَّرَه. وأشهد ألَّا إله إلا الله، الذي أثبَتَ من دينه غُرَرَه، وأزال عنه من الغَيِّ والبغي غِيَرَه. وأشهد أنَّ سيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، وحبيبُه وخليلُه؛ الذي أنزل عليه آياتِه وسورَه. وأسَّسَ به شريعتَه المطهرة، وأيَّده بأصحابه الكرام البرَرة، وأطفأ به جمراتِ الكفَرة الفجرَة. اللهم فصلِّ وسلِّم على هذا النبيِّ سيِّدنا محمد الذي شرَّفت خُبْرَه وخَبَره، وقلتَ فيه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [الأحزاب: ٣٦].

أما بعدُ، فأوصيكم ــ عبادَ الله ــ ونفسي بتقوى الله، ما بالُنا لا نبرَح في الشهوات راتعين، وإلى المطامع من المطاعم والملابس مُسَارِعين؟ ألم نسمع ترغيبَ الله وترهيبَه؟ ألم تكن الدنيا قليلة، والآخرة قريبة؟ ألم نعرِفْ ما حرَّمَه الله وما أوجَبَه؟ ألم نعلم ما كرهَه وما ندَبه؟ ألم يطرُقْ مسامعَنا وعدُه ووعيده؟ أم لم نؤمِن بما تُبَيِّنُه وتفيدُه؟ كلَّا، والله، إنَّ كلامَ الله لحقٌّ، وإنَّ وعدَه ووعيدَه لَصِدْقٌ، لكنَّ القلوبَ مستلِذَّةٌ سِنةَ الغفلة، مستطيبةٌ لباسَ المهلة. ألا، وإنَّ الإمهال ليس بإهمال، وإنما يُمْلَى لِلعُصاة لِيزدادوا إثمًا، فيستوجبوا حلولَ الأهوال.

ألا، وإنَّ الله سبحانه وتعالى قد أنعم على الأمَّة بمن يُجَدِّدُ له رَشَادَها، ويُبيِّن لها سَدادَها، ويقيم فيها الحدود، ويدافع عنها أهلَ البغي والجحود. ثم أقامَه الله وأيَّده، وأسَّسَ به دينه وشيَّده، ورفع أعلامَه، وأمضَى أحكامه،