وأقرب إلى القياس من أحاديث قد أخذوا بها. لكن هذه التي أخذوا بها ــ مع ما فيها من الضعف ومخالفة القياس ــ وردت عليهم قبل أن يذهبوا إلى خلافها، فقبلوها اتباعًا. وتلك التي ردُّوها مع [١/ ٢٤] قوة ثبوتها إنما بلغتهم بعد أن استقرَّ عندهم خلافُها، واستمروا على العمل بذلك، ومضى عليه أشياخهم. وربما أخذوا بشيء من النقل، ثم بلغهم من السنة ما يخالفه، فأعجزهم أن ينظروا كما ينظر أئمة الحديث لمعرفة الصحيح من السقيم، والخطأ من الصواب، والراجح من المرجوح؛ فقنعوا بالرأي، كما ترى أمثلة لذلك في قسم الفقهيات، ولاسيَّما في مسألة ما تقطع فيه يد السارق (١). وهذا ديدنهم، وعليه يعتمد الطحاوي وغيره منهم.
ولهذا بينما تجد الحنفية يتبجَّحون بأن مذهب أبي حنيفة وسائر فقهاء العراق تقديم الحديث الضعيف على القياس ــ وقد ذكر الأستاذ ذلك في "التأنيب"(ص ١٦١) ــ إذا بهم يردُّون كثيرًا من الأحاديث الصحيحة، لمخالفتها آراءَ سلفهم، وآراءَهم التي أخذوا بها. وقد كان الشافعي ينعى عليهم ذلك. ومن كلامه كما في "سنن البيهقي"(ج ١ ص ١٤٨): "والذي يزعم أن عليه الوضوء في القهقهة يزعم أن القياس أن لا ينتقض، ولكنه يتبع الآثار. فلو كان يتبع منها الصحيح المعروف كان بذلك عندنا حميدًا، ولكنه يردّ منها الصحيح الموصول المعروف، ويقبل الضعيف المنقطع".
فالحنفية يعرفون شناعة ردِّ السنة بالرأي، ولكنهم يتلمَّسون المعاذير، فيحاولون استنباط أصول يمكنهم إذا تشبثوا بها أن يعتذروا عن الأحاديث