للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنهم: أفراد من المعتزلة والجهمية، رأوا في الأحاديث ما يرد عليهم كثيرًا من آرائهم، ولم يقنعوا بما وافقهم عليه أهل الحديث من أن الحديث إذا خالف صريح العقل لا يقبل؛ لعلمهم بأن آراءهم التي تخالف السنن ليست مبنية على عقل صريح، بل ولا قريبٍ من الصراحة، وإنما هي شبهات مشكِّكة. فاحتاجوا إلى الطعن في الأحاديث، فعَمَدوا إلى الطعن في بعض الصحابة، ثم في أئمة الحديث، حتى حاول بعضهم الطعنَ في شعبة بأنه كثير الغلط، وفي حماد بن سلمة بأنه كان له ربيبٌ زنديق يدُسُّ في كتبه. وعَمَدوا إلى بعض الأحاديث التي ظاهرها الإشكال والتعارض، فجمعوها يشنِّعون بها على أهل الحديث.

وقد أجاب أهل الحديث عنها بأن منها ما لا يصح عندهم، فلا يحتاجون إلى الجواب عنه. [ص ٦] ومنها ما ليس بمشكل وإن استشكله أهل الأهواء، وأمثلته في كتاب الله تعالى موجودة، وباقيها يوجد في كتاب الله عز وجل نظيره في أنه يظهر أنه مشكل أو معارض لغيره مما يثبت، فيفسَّر بنحو ما تُفسَّر نظائره من القرآن، ولا يدل ذلك على عدم صحته.

وأسرف بعض الجهمية فوضع أحاديث باطلة، ورواها عن أهل الحديث لما أعجزه أن يجد في صحاح الأحاديث وفي مرويات الأثبات ما يُعلم بطلانه قطعًا. ومن وضع أهل الأهواء حديث: "إن الله تعالى خلق الفرس ثم أجراه حتى عرِقَ، فخلق سبحانه نفسه من ذلك العرق" (١).


(١) وضعه محمد بن شجاع الثلجي، كما في "الكامل" لابن عدي (٦/ ٢٩١) و"الأسماء والصفات" للبيهقي (ص ٣٧٣) و"الموضوعات" لابن الجوزي (١/ ١٠٥) و"ميزان الاعتدال" (٣/ ٥٧٩). قال الحافظ في "اللسان" (٣/ ٩٦): حديث إجراء الخيل موضوع، وضعه بعض الزنادقة ليشنع به على أصحاب الحديث في روايتهم المستحيل، فحمله بعض مَن لا عقل له، ورواه، وهو مما يُقطع ببطلانه عقلًا وشرعًا.