جماعة فمرّ بنا فلان فسلّم، ويعني: ولم يكلِّم أحدًا، فمثل هذا يثبت به اللقاء، حتى لو حدَّث هذا الراوي عن ذلك المارِّ بألف حديث، ولم يُصرِّح في شيء منها بالسماع؛ لكانت كلها محمولةً على السماع.
ثم اتفقوا على أن الراوي إذا عُرِف منه التدليس، كان كلُّ ما رواه ولم يصرِّح بالسماع محمولًا على الانقطاع.
فهذا يدل على أن رواية الرجل عن آخر ظاهرها السماع، وإنما لم يُحمل على ذلك روايةُ المدلس؛ لأنه قد عُرِف منه مخالفة هذا الظاهر، فصار ذلك قرينةً يسقط بها الظهور.
ثم إذا تقرر هذا، فقد يقال: ينبغي أن يُكتفَى باحتمال الإدراك؛ لأن الرجل إذا روى عمّن لم يتحقق إدراكه له ولكنه محتمل، كان الظاهر السماع؛ لأنه لم يتحقق ما ينافيه. وبعبارة أخرى: ليس هناك قرينة يُردُّ بها ذلك الظاهر.
فالجواب: أن ابن المديني والبخاري اشترطا ثبوت اللقاء، ومعنى هذا أنهما يريانِ أن رواية الرجل عن الشيخ بدون تصريحٍ بالسماع إنما يكون ظاهرها السماع إذا كان قد لقيه ولو مرةً.
نعم، زعم بعض أكابر العصر أن البخاري إنما يشترط اللقاء لصحة الحديث صحة أكيدة بحسب ما اشترطه في جامعه، وأنه لا يشترط اللقاء لأصل الصحة. وعلى هذا فلا خلاف بين قوله والقولِ الذي حكاه مسلم عن الجمهور.
وهذا لا يصح؛ فإن مسلمًا صحب البخاري وحذا حذوَه، وكان من أعرف الناس بقوله، فلو كان هذا هو قول البخاري لما خفي على مسلم، ولو