للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى وسنة رسوله، واختيار ما ظهر لهم رجحانُه.

وبهذا تبيَّن أوضحَ البيان أن باب العمل بالدليل مفتوح بالاتفاق، أما على القول بوجود المجتهدين اليوم فواضح، وأما على القول بانقطاع الاجتهاد فالأدلة الشرعية محفوظة، وأقوال المجتهدين مدوَّنة، ولا مانعَ من تقليد أيّ مجتهدٍ كان، فلا أقلّ من ترجُّح من يوافق قوله الدليل، ولا أقلّ من أن يكون مدَّعي الاجتهاد اليوم أهلًا للترجيح، مع أنه لو فُرِض أنه ليس مجتهدًا وأنه أخطأ في الترجيح، فليس في ذلك محذور، لأن القائلين بالتقليد يجيزون التقليد ابتداءً، فلأن يجوز بعد بذل الوسع في طلب المرجِّح الشرعي أولى وأحرى. وبهذا يَسْلَم القاصر من محاربة الله ورسوله باتخاذ القرآن مهجورًا والزيغ عن اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والله سبحانه وتعالى يقول: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١]. وفي الحديث الصحيح: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به" (١). ويَسْلَم من الجهل بالدليل الشرعي في عمله، ويَسْلَم من سوء الأدب مع بعض الأئمة المجتهدين بتنقُّصِهم والتعصُّب عليهم والترجيح عليهم بدون مرجِّح معتبر، ويَسْلَم من عناد علماء عصره القائمين بعلوم الكتاب والسنة وغير ذلك، وحَسْبُه أنه موافق للشرع بيقين.

فهذه الميزان، لا "ميزان" الشعراني رحمه الله، فإنه بناها على أن كل فردٍ من أفراد المجتهدين في المسائل الخلافية مصيبٌ باعتبارٍ مخطئ باعتبارٍ، أما إصابته ففي نسبته الحكمَ الذي قال به إلى الشريعة، وأما خطأه ففي زعمه


(١) سبق تخريجه (ص ٩٠).