وكأنه لاحتمال تصرُّف بعض الخونة أو الجهلة كان السلف يحتاطون في شأن الكتب. وفي ترجمة الأوزاعي من "تهذيب التهذيب": "وقال الوليد بن مسلم فيما رواه أبو عوانة في صحيحه: احترقت كتبه (يعني الأوزاعي) زمن الرجفة [ص ١٤] فأتى رجل بنُسَخها (يعني بنسخٍ نُقلت من تلك الكتب) وقال له (يعني للأوزاعي): هو إصلاحك بيدك (يعني أنَّ هذه النُسخ نُقلت من كُتبِك، وقابلتَها أنت، وأصلحتَ فيها ما فيه من مخالفة) فما عرض لشيء منها حتى مات".
يعني أن الأوزاعي رحمه الله لم يعتدَّ بتلك النسخ، ولا روى منها شيئًا. وإنما ذلك لأنها قد بَقيت مُدةً تحت يدِ غيره ممن لعله لا يعرفه بالثقة، فلم يأمن أن يكون وقع فيها تغيير وإن لم يظهر.
هذا حال النسخ الخطية، ثم يجيء دور الطبع. والعادة أنه ينتسخ من الأصل القلمي نسخة تكون مسودة للطبع، ثم تقابل على أصلها، ثم إن وجد أصل آخر قُوبلَت المسودة عليه، وقد تقابل على أكثر من أصلين، ثم ينظر فيها المصحح، ثم تدفع إلى مُرَكِّبي الحروف فيركِّبون كل يوم ثماني صفحات مثلًا، ويطبعون عليها التجارب (بروف). وتُرسل التجارب إلى رجلين يقابلانها على المسودة ويصلحان فيها، ثم يَكُرَّانها إلى المركِّبين، فيتتبعون ما أصلحه المصحح في التجارب، فيصلحونه في ألواح الحروف. وبعد الإصلاح يطبَعُون على تلك الألواح تجارب أخرى، ويرسلونها إلى المصحح مع التجارب الأولى. فيتتبع المصحح ما أصلحه في التجارب الأولى وينظر أأُصْلِحَ في الثانية؟ فإن وجد من المواضع ما لم يُصلَح أصلحه، وأعاد التجارب الثانية [ص ١٥] إلى المُرَكِّبين. فإن كان فيها إصلاح