للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسألة السادسة عشرة

نكاح الشاهد امرأة شهد زورًا بطلاقها

في «تاريخ بغداد» (١٣/ ٣٧١ [٣٧٣]) من طريق الحارث بن عمير قال: «سمعت أبا حنيفة يقول ... ، قال الحارث بن عمير: وسمعته يقول: لو أن شاهدين شهدا عند قاضٍ أن فلان بن فلان طلَّق امرأته، وعلما جميعًا أنهما شهدا بالزور، ففرَّق القاضي بينهما، ثم لقيها أحد الشاهدين، فله أن يتزوج بها؟ قال: نعم. قال: ثم علم القاضي بعد، أله أن يفرِّق بينهما؟ قال: لا».

قال الأستاذ (ص ٣٧): «مسألة نفاذ حكم القاضي ظاهرًا وباطنًا هو مقتضى الأدلة، وإن كان شاهد الزور يأثم إثمًا عظيمًا، لكن لا يحول ذلك دون نفاذ حكم القاضي ظاهرًا أو باطنًا، وإلا لزم إباحة وطئها للزوج الأول في السرِّ فيما بينه وبين الله، وإباحة وطئها للزوج الجديد بحكم الحاكم، وأي قول يكون أقبح وأشنع من هذا؟ يكون لامرأة واحدة زوجان في حالة واحدة، أحدهما يجامعها في السر والآخر في العلانية. ونعترف أن أبا حنيفة لا يمكنه أن يرى مثل هذا الرأي رغم كل تشنيع، بل التشنيع يرتد على مخالفيه ومشنِّعيه كما صوَّرناه. وأبو حنيفة من أبرأ الناس من أن يُحدِث الفوضى في الأحكام، وأما عدم تفريق القاضي بينهما بعد علمه بحال الشاهدين، فليس من مسائل أبي حنيفة، وإنما مذهبه التروِّي في الحكم مطلقًا».

أقول: يتفوَّه الأستاذ بالقبح والشناعة، وينسى ما في صنيعه هذا منهما! أما إباحتها لزوجها الحقيقي، فذلك حكم الله تبارك وتعالى من فوق سبع سماوات! وأما إباحتها لذلك الشاهد الفاجر، فإنما يقول بها أبو حنيفة. فأما مخالفوه ــ ومنهم: أصحابه أبو يوسف ومحمد وزفر ــ فإنهم قائلون