للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا، لم يكد الدِّين يستقرُّ فيهم، مع أنَّ الله تعالى لم يَزَل يبعث فيهم بعد موسى نبيًّا بعد نبيٍّ، وقد يجتمع في وقتٍ نبيَّان أو أكثر، ولم يكد ذلك يؤثِّر فيهم.

بل كذَّبوا كثيرًا من الأنبياء، وآذوهم، وقتلوا بعضهم، وكان يتنبأُ فيهم رجال ونساء، يماشون أهواءهم، فيصدِّقون الكاذب، ويكذِّبون الصَّادق، حتى بعث الله تعالى عيسى، فكذَّبوه وأرادوا قتله.

وأمَّا إسماعيل فإنَّ أباه أسكنه في بلاد العرب بمكَّة المكرَّمة، فنَشَأ بها، وبنى مع أبيه الكعبة البيت الحرام، وتزوَّج إسماعيل من العرب، ونَشَأ بنوه عَرَبًا، واستجاب من العرب للحنيفيَّة من استجاب.

وبقاء البيت معمورًا، والحرمِ معظَّمًا، وما عُرِف عن العرب قاطبةً أنَّهم لم يزالوا يعظِّمون مكَّة والبيت، ويحجُّونه، سواء منهم من كان من ذريَّة إسماعيل، ومن كان من غيرهم = يدلُّ على ذيوع الحنيفيَّة في العرب ورسوخها.

وقد قامت الأدلَّة ــ كما يأتي ــ على أنَّ الدِّين الحقَّ بقي في عرب الحجاز وما حولها فوق عشرين قرنًا بعد إبراهيم عليه السَّلام، ثم غيَّروا أشياء، وبقوا متمسِّكين بأشياء، حتى بعث الله خاتم أنبيائه، محمدًا - صلى الله عليه وسلم -.

في «مجموعة كتب أهل الكتاب»، الترجمة المطبوعة ببيروت سنة ١٨٧٠ م (١)، في الفقرة (١٠ - ١١)، من الإصحاح الثاني، من «سفر أرميا»،


(١) في مقدِّمة الطبعة المعرَّبة الحديثة أنَّ هذه الطبعة انتهوا من إصدارها عام ١٨٨١ م، ولكنَّهم أعادوا النَّظر في هذه التَّرجمة عام ١٩٤٩ م، فأخرجوها في ترجمةٍ أفضل من حيث الأسلوب والتَّراكيب، مع العناية بفنِّ الطباعة، وأتمُّوا العمل فيها عام ١٩٨٠ م.
وقد بيَّنتُ الفروق المهمَّة الظَّاهرة بين نصِّ التَّرجمة عند المؤلِّف ممَّا يخالف التَّرجمة الحديثة المشار إليها.