أقول: فقضيَّة هذا أنه يتعيَّن على رأي النوويِّ المنع من القيام لمن يُنْسَب إلى الصلاح في الأزمنة المتأخِّرة، فإنَّ احتمال غلوِّ العامَّة فيهم أقرب بدرجاتٍ كثيرةٍ من احتمال غلوِّ الصحابة في حقِّ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.
أوَّلًا: لعلم الصحابة ومعرفتهم، بخلاف عامَّة هذه الأزمان.
ثانيًا: لأنه لو قارب أحدٌ منهم الغلوَّ لمنعه النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وبَيَّن له، بخلاف المنسوبين إلى الصلاح في هذه الأزمان؛ فإنَّ أكثرهم جهَّالٌ يفرحون بتعظيم الناس لهم، بل الغلوُّ في المنسوبين إلى الصلاح أمرٌ واقعٌ.
فأما القيام عند قراءة قصَّة المولد فهو أمرٌ وراء ما نحن فيه بمراحل، والله المستعان.
[٤٨٧] فصلٌ في الدعاء
ومن الأعمال التي عدَّها القرآن شركًا: دعاءُ غير الله عزَّ وجلَّ، ووقع في تفسير الدعاء وتوجيه كونه شركًا اضطرابٌ للمفسِّرين وغيرهم أحوجني إلى بسط الكلام في هذا المقام، فأقول مستعينًا بالله عزَّ وجلَّ:
أهل اللغة متَّفقون على أن أصل الدعاء بمعنى النداء، إلا أن الراغب ذكر فرقًا لفظيًّا فيه نظرٌ، وقد قال الله تعالى {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً}[البقرة: ١٧١]، ورُوِي عن مجاهدٍ أنهما بمعنىً، وكذا قال غيره. قالوا: والمسوِّغ للعطف تغاير اللفظين. ويلوح لي فرقٌ آخر بينهما، وهو: أن الدعاء مأخوذٌ في مفهومه طلبٌ مَّا، بخلاف النداء؛ فإنه غير مأخوذٍ في مفهومه، وإن كان لازمًا له، فتأمَّل.