للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

اعتذر القائلون بمنع أن تؤدَّى الفريضة خلف من قد أدّاها بأمور:

منها: أن ما فعله معاذ كان بغير علم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فلا حجة فيه.

والجواب: أننا إن أخذنا بمذهب جابر وأبي سعيد إذ قالا: «كنا نَعزِلُ والقرآن ينزل، لو كان شيئًا يُنهى عنه لنهى عنه القرآن». فإن هذا العذر واضح.

وتقرير مذهبهما في هذا: أنه كما تقرر عند أهل العلم أن تقرير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حجة، فأولى منه تقرير الله عزَّ وجلَّ في الوقت الذي يكون فيه الواسطة ــ وهو الرسول ــ بين أظهر الناس.

ويؤيده ما ثبت من أن الصحابة كانوا مَنْهيِّين عن سؤال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإن ذلك يستلزم أن يكون مأذونًا لكلٍّ منهم أن يعمل بما يظهر له في الحكم، وإن كان عنده فيه تردُّد. وإنما ذلك لأن الله عزَّ وجلَّ رقيب عليهم، والرسول بين أظهرهم، فإذا علم الله عزَّ وجلَّ خطأهم في شيء أوحى إلى رسوله ما يبين به الحكم.

وسيأتي إن شاء الله تعالى النظر في ما ذكروا أنه حجة على ما ذهبوا إليه.

وإن لم نذهب هذا المذهب فإننا نقول: ظاهر الروايات أن صلاة معاذ بقومه الصلاةَ [التي] قد صلَّاها مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تكرر كثيرًا، وأن معاذًا كان كأنه الإمام الراتب لبني سلمة، وكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مما يتعاهد الأنصار في أمر دينهم، وكانوا مما لا يكادون يصنعون في دينهم إلا ما يثقون بصحته، والظاهر أنهم لم يكونوا يبنون مسجدًا ولا يُرتِّبون إمامًا إلا بعد استئذان النبي