للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا، وفي كتب أهل العلم حجج كثيرة في هذه المسألة، وإنما نبَّهتُ على ما لا أعلمه في كتبهم مشروحًا، كما سلف، والله الموفق (١).

فإن فُرِض أنه ليس في الحجج على وجوب العمل بخبر الواحد ما يفيد القطعَ بمفردها، فلا ريب أنها باجتماعها تفيد القطع، كما حققه الشاطبي في "الموافقات" (٢).

شبهة المخالف:

ذكروا أن بعض من خالف في هذا زعم أن العقل لا يُجوِّز أن يتعبد الله عز وجل عباده بخبر الواحد.

وظهور بطلان هذا أغناني عن البحث عن توجيه هذا القول، إلا أنه يخطر لي أن وجهه: أن الخبر قد يكون باطلًا، بأن يكون الراوي غلِطَ، أو يكون بخلاف ما ظهر لنا من ثقته فكذبَ، وإذا احتمل البطلان كان التعبد به في صورة بطلانه تعبدًا بالباطل، وذلك محال على الله عز وجل.

والجواب عن هذه الشبهة وغيرها: أنها في معارضة ما ثبت قطعًا، فلا يُعتدُّ بها، وإن كانت قد تُشكِّك الناظر حتى يكاد يرتاب في أن تلك الحجج تفيد القطع، فإن هذا شأن الشُّبه، كما رأينا السوفسطائية يثيرون شبهًا على


(١) انظر في أدلة حجية خبر الواحد: "الرسالة" (٣٨٣)، "الإحكام" لابن حزم (١/ ١١٢)، "البرهان" (١/ ٣٨٨)، "أصول السرخسي" (١/ ٤٩٠)، "المحصول" لابن العربي (٥٤٣)؛ "التحبير شرح التحرير" (٤/ ١٨٠١).
(٢) (١/ ٢٩، ٣٠) ط. مشهور.