للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ذمه، وكذلك يقابل كلمات التنفير بكلمات (١) الترغيب. وكذلك تجد الإنسان إلى تعديل من يميل إليه ويُحسِن به الظن أسرع منه إلى تعديل غيره. واحتمالُ التسَمُّح في الثناء أقرب من احتماله في الذمّ، فإن العالم يمنعه من التسمُّح في الذمّ الخوفُ على دينه لئلّا يكون غيبة، والخوفُ على عرضه، فإن مَن ذمَّ الناس فقد دعاهم إلى ذمِّه.

ومن دعا الناسَ إلى ذمِّه ... ذمُّوه بالحقّ وبالباطل (٢)

ومع هذا كله، فالصواب في الجرح والتعديل هو الغالب، وإنما يحتاج إلى التثبت والتأمل فيمن جاء فيه تعديل وجرح. ولا يسوغ ترجيح التعديل مطلقًا بأن الجارح كان ساخطًا على المجروح، ولا ترجيح الجرح مطلقًا بأن المعدِّل كان صديقًا له، وإنما يستدل بالسخط والصداقة على قوَّة احتمال الخطأ إذا كان محتملًا. فأما إذا لزم من اطراح الجرح أو التعديل نسبةُ مَن صَدَر منه ذلك إلى افتراء الكذب أو تعمّد الباطل أو الغلط الفاحش الذي يندر وقوع مثله مِنْ مثله، فهذا يحتاج إلى بيِّنة أخرى، لا يكفي فيه إثبات أنه كان ساخطًا أو محبًّا.

وفي "لسان الميزان" (ج ١ ص ١٦) (٣):

"وممن ينبغي أن يُتوقَّف في قبول قوله في الجرح: مَن كان بينه وبين مَن


(١) الأصل: "كلمات" [ن].
(٢) من أبيات في "الأغاني": (١٤/ ١٥٧)، وهو في "رسائل الجاحظ": (١/ ٣٥٥)، و"الحماسة البصرية" (٨٥٤) ونُسِب لغير واحد.
(٣) (١/ ٢١٢).