وأخرج الإمام أحمد في «مسنده»(١) عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها». قالوا: إذًا نُكْثِر، قال:«الله أكثر».
فمن تأمل هذه الدلائل وغيرها عرف بطلان تلك الأوهام، وعلم أن الإعراض عن الله سبحانه وتعالى والعدول عن دعائه وسؤاله موجب للعقوبة. وأما طلب الدعاء من الأحياء ولاسيَّما الصالحين فهو مستحبّ، ولكن بشرط ألّا يقصر الإنسان من الدعاء لنفسه، بل يبتهل إلى الله تعالى بالدعاء مع طلبه من غيره.
ونحن لا ندفعُ هذا وإنما ندفع الاستغاثة بالموتى والغائبين، فإنها إن كانت مع اعتقاد علمهم الغيب وقدرتهم على الإغاثة= كان في هذا من الشرك ما مرّ بيانُه، وإن كانت مع اعتقاد أن الله تعالى يُبلّغهم ويُجيب دعاءهم فنحو ذلك.
وإذا كان العبد لا يثق باستجابة دعائه لنفسه بتلك الحاجة فكيف يثق باستجابة دعائه أن يُبلّغهم الله تعالى طلبه منهم الدعاء؟! على أنَّ هذه الأشياء مما لم ينزل الله به سلطانًا ــ بل هي مضادة لدلائل كتاب الله تعالى وسنة رسوله كما علمت مما مرَّ.
(١) (١١١٤٩). وأخرجه ابن أبي شيبة (٢٩٧٨٠)، والحاكم: (١/ ٤٩٣)، والطبراني في «الأوسط» (٤٣٦٨) وغيرهم. وصححه الحاكم، وقال البوصيري: إسناده جيد. انظر «إتحاف الخيرة»: (٦/ ١٤٧).