هذه الرسالة في تحقيق معنى {أَغْنَى عَنْهُ}، والأساس الذي جرى عليه استعمالها في القرآن. وقد أيَّد الشيخ المعلمي رحمه الله ما ذهب إليه بمواقعها الكثيرة في القرآن الكريم وسياقها فيه، وردَّ ما اختلفوا في تفسيره إلى ما قرره.
وخلاصة ما أحكمه أن الإغناء: إعدام الحاجة، ومن الأشياء ما يحتاج الإنسان إلى حصوله كالمال، ومنها ما يحتاج إلى دفعه كالعذاب. والإنسان مع المال كالطالب مع المطلوب، ولكنه مع العذاب كالمطلوب مع الطالب. ففي القسم الأول يكون الإنسان منصوبًا والمال مجرورًا بـ"عن" كقولك لأخيك: "قد أغناني الله عن مالك". وفي القسم الثاني يكون العذاب الواقع أو المتوقع منصوبًا والإنسان مجرورًا كقوله تعالى:{فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ}. وغالب ما في القرآن من استعمالات "أغنى عنه" وارد على هذا القسم الثاني.
ولكنه قد يترك المنصوب، وقد يترك المجرور بـ"عن" أو يترك كلاهما، ويقع الاختلاف في التفسير.
ثم ذكر أن من أعرب "شيئًا" في قوله تعالى: {لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} على أنه مفعول مطلق فإنه قد غفل عن الأساس الذي تقدم بيانه.
وهكذا تفسير "من" في قوله تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} في سورة النجم، إذ فسره الجمهور بمعنى أن الظن لا يغني بدل العلم، أي لا