وأما تقييده في حديث أبي داود برئيس ثلثمائة فصاعدًا، فلعلَّه قاله بناء على ظنِّه، كأنه ــ والله أعلم ــ رأى جماعةً كلَّهم رئيس ثلثمائة قد ذكرهم النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم فقاس على ذلك المذكورين إلى يوم القيامة.
وفي هذا القياس نظر، فإن مقتضى الحكمة أن يذكر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الفتنَ الصغارَ التي تلي موته لأهميتها، ولا يقتضي أن يستقصي ذلك إلى يوم القيامة، بل يُكتفى بالأمور العامة.
وقد روى مسلم (١) عن عَمرو بن أخْطَب الأنصاري، قال:«صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومًا الفجر، وصعد على المنبر، فخَطَبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلَّى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر حتى غربت الشمس فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة». قال:«فأعلمُنا أحفظُنا». وهو في معنى حديث حذيفة، والكلام عليه مثلُه.
وأنا مؤمن بأن الله عزَّ وجلَّ على كلِّ شيء قدير، وأن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أهلٌ لأن يكرمه الله بكل كرامة يمكن أن يُكرَم بها أحدٌ من عباد الله تعالى، فيُظهره على ما شاء من الغيب، ويطوي له الزمان حتَّى يتكلم في الساعة الكلامَ الذي لا تسعه إلا السنون العديدة وغير ذلك.
وإنما اضطرَّني إلى التأويل الجمعُ بين الأدلة كما علمتَ، مع أن اتِّساع المعلومات الكونية ليس من الفضل المقصود للأنبياء عليهم السلام، فنفيُ شيء منه عنهم لا يُوهم نقصًا.