أفلا يكون في موافقة الشرع لعقولهم على تلك القضايا ما يَجبُر ما عسى أن يكون عندهم من الشعور بأنَّ جزم عقولهم بها ليس بغاية الوضوح؟
هذا كلُّه إبلاغٌ في إقامة الحجة، وإلا فمن المعلوم أن الذي يصلح قرينةً إنما هو الامتناع العقلي الذي من شأنه أن يدركه المخاطب.
فأما قول الرازي:«إن الله إنما يكون مُلَبِّسًا على المكلَّف لو أسمعه كلامًا يمتنع عقلًا أن يريد به إلا ما أشعَرَ به ظاهرُه»، فجوابه يُعلَم مما يأتي:
اعلم أن للمتكلم إرادتين تتفقان تارة، وتختلفان أخرى.
فالأولى: إرادة أن يكون خبره بحسب تركيبه مع قرائنه، حقُّه أن يَفهم منه المخاطبُ [٢/ ٣٢٣] هذا المعنى. فإذا لم يكن من المتكلم جهل ولا خطأ ولا عجز، فلا بد أن يجيء خبره مطابقًا لهذه الإرادة.
الإرادة الثانية: إرادة المعنى، كمَن يقول:«رأيت أسدًا» فقد يريد في نفسه أسدًا حقيقيًّا، وقد يريد رجلًا شجاعًا، فإذا لم يقصد المتكلم الكذب والتلبيس فإنما يريد بهذه الإرادة ذاك المعنى الذي حقُّ الخبر أن يُفهمَ منه، فلا يختلف المعنى في الإرادتين إلا في الكذب والتلبيس، فاعرف ذلك.
فإن عنى الرازي بقوله:« ... أن يريد به ... » الإرادة الأولى، أو الثانية مع تسليم أنها لا تكون في كلام الله تعالى إلا موافقة للأولى، فمآل عبارته أن المكلَّف لا يمكنه القطعُ بأن المعنى الذي فهمه من الخبر هو الذي حقُّه أن يُفهَم منه.
فأقول: الرازي يخص هذه الدعوى بمطلبه الثالث حيث يحتمل الامتناع العقلي، ويعترف بحصول القطع في مطلبه الثاني، فأولى من ذلك حصوله في