للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هل معك غيرك؟ وهذا محمول على التثبت والاحتياط، كما يأتي.

والمجتهد لا يكتفي بالآية من كتاب الله عز وجل حتى ينظر غيرها من الأدلة؛ لاحتمال أن يكون في غيرها ما يقيِّدها أو يخصِّصها، أو غير ذلك. ومعلوم أنه إذا لم يجد شيئًا من ذلك بعد البحث عمل بها، ولا بد.

وقد تواتر عن الصحابة رضي الله عنهم العمل بخبر الواحد وحده إذا لم يجدوا ما يعارضه.

فبان بذلك أن قول أبي بكر: هل معك غيرك؟ إنما محمله ما ذكرنا.

وأما قصة عمر مع أبي موسى ففيها أن عمر قنعَ بمتابعة أبي سعيد لأبي موسى، وهما اثنان.

ثم قد أجاب عنها الشافعي رحمه الله، قال في "الرسالة" (١): "فإن قال قائل: ... قيل له: لا يطلب عمر ... إلا على أحد ثلاث معانٍ: إما أن يحتاط فيكون، وإن كانت الحجة تثبت بخبر الواحد فخبر اثنين أكثر، وهو لا يزيدها إلا ثبوتًا.

وقد رأيت ممن أثبت خبر الواحد من يطلب معه خبرًا ثانيًا، ويكون في يده السنة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من خمسة وجوه، فيحدَّث بسادس فيكتبه؛ لأن الأخبار كلما تواترت وتظاهرت كانت أثبت للحجة، وأطيب لنفس السامع.

وقد رأيت من الحكام من يثبت عنده الشاهدان العدلان والثلاثة، فيقول للمشهود له: زدني شهودًا، وإنما يريد أن يكون أطيب لنفسه، ولو لم يزده المشهود له على شاهدين لحكم له بهما ....


(١) (ص ٤٣٢ وما بعدها).