للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بخلافه، بل إذا صحَّ نصٌّ ظاهرُ لفظه خلافُه، فالعقل حينئذ قرينة صحيحة لابد في فهم الكلام من ملاحظتها. فالظاهر الحقيقي الذي هو معنى النص هو ما يظهر منه مع ملاحظة قرائنه. كلُّ هذا، وأهل السنة المتبعون لأئمتها المتَّفق على إمامتهم فيها ثابتون على ما كان عليه السلف من الاحتجاج بالنصوص، وتضليلِ مَن يَصرِفها عن معانيها المعروفة، أو يردُّ الأخبار الصحيحة.

ثم نشأ المتوغلون في الفلسفة كالفارابي وابن سينا، فكان مما خالفوه من العقائد الإسلامية أمر المعاد، فاحتجَّ عليهم المتكلمون بالنصوص، فغافصَهم ابن سينا مغافصةً شديدة، كما تراه في «مختصر الصواعق» (ج ١ ص ٢٤١) (١). [٢/ ٢٦٣] وعبارته طويلة جدًّا، وأنا أحاول تلخيص المقصود منها.

زعم أن الشرائع إنما وردت لخطاب الجمهور، وأنها لو جاءتهم بذكر التوحيد والتنزيه على ما يراه الفلاسفة ومن يوافقهم من المتكلمين، قال (٢): «لسارعوا إلى العناد، أو اتفقوا على أن الإيمانَ المدعوَّ إليه إيمانٌ بمعدوم لا وجود له أصلا». فزعم أن الحكمة اقتضت أن تجيئهم الشرائع بما يمكن تصديقهم به من التجسيم والتشبيه ونحو ذلك ليمكن قبولهم للشرائع العملية. وذكر أن التوراة كلها تجسيم، وأن في نصوص القرآن ما لا يحصى


(١) (ص ١٤٦ وما بعدها) ط. دار الكتب العلمية بيروت ١٤٠٥.
(٢) انظر «الرسالة الأضحوية في أمر المعاد» لابن سينا (ص ٤٥ وما بعدها). ونقله ابن تيمية في «درء التعارض» (٥/ ١١ وما بعدها) وابن القيم في «مختصر الصواعق» (ص ١٤٦ - ١٤٩) وردَّا عليه.