للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إنا لا نكذِّبك، ولكن نكذِّب الذي جئتَ به". وفي رواية: "ما نتهمك ولكن نتهم الذي جئتَ به". وفي "تفسير ابن جرير" (١) وغيره عن السدِّي قصةٌ وقعت قبيلَ بدر، وفيها: "فخلا الأخنس بأبي جهل فقال: يا أبا الحكم ... فقال أبو جهل: ويحك، والله إنَّ محمدًا لصادق، وما كذبَ محمد قطُّ، ولكن إذا ذهب بنو قُصَي باللواء والحجابة والسقاية والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ ".

وأما بعد النبوة، فالأمر أوضح. فمن المشركين من كان مرتابًا فيما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم من استيقنت نفسُه ولكنهم عاندوا، وكلا الفريقين عرفوا من حاله - صلى الله عليه وسلم - سابقًا ولاحقًا أنه لا مجال لاحتمال تعمُّده الكذب، وأن اتهامه بذلك مكابرة مفضوحة، إلى حدِّ أنهم رأوا أن أقرب منها أن يقولوا: مجنون، مع علمهم وعلم كلِّ من عرف النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه أعقل الناس.

وفي "المستدرك" (ج ٣ ص ٤٥) (٢) وغيره في قصة ابن أبي سرح لما جيء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبايعه "فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثًا [ثم بايعه] ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففتُ يدي عن بيعته، فيقتله؟ فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأتَ إلينا بعينك؟ فقال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين" (٣).


(١) (٩/ ٢٢٢)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٤/ ١٢٨٣).
(٢) من طريق أبي داود في "السنن" (٢٦٨٣).
(٣) قلت: قال الحاكم عقبه: "صحيح على شرط مسلم". ووافقه الذهبي. قلت: وفيه أحمد بن المفضل وهو صدوق في حفظه شيء. عن أسباط بن نصر، وهو صدوق كثير الخطأ، كما في "التقريب". وهما من رجال "الميزان" للذهبي، والآخر من "الضعفاء" له. ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود أيضًا (٢٦٨٣ و ٤٣٥٩) والنسائي (٢/ ١٧٠) وإلى هذا وحده عزاه الحافظ في "الفتح" (٦/ ١٢٠) وسكت عليه؛ وما بين المعكوفين، إنما وضعه المصنف بينهما إشارةً إلى أنها ليست في "المستدرك"، وإنما هي عند من ذكرنا بلفظ "فبايعه". ثم خرّجت للحديث شاهدًا حسنًا في "الصحيحة" (١٧٢٣) [ن].