يخالفه، فكيف لا تُورث ما ذكره الغزالي هنا بقولَه:«ربما حصل لك الأنس»؟ وإذا وجب أن لا يُعْتَدَّ بالجزم الحاصل عن طول الممارسة، فكيف يُعتدُّ باحتمال حصول الأنس؟ ولو كان هذا كافيًا للتشكيك في البديهيات، وخشية أن تكون وهمية لثبَتَ القدحُ في عامة البديهيات، وطُوِي بساط العقل، وحقَّت السفسطة. وقد تقدَّم في الباب الأول قولُهم في الجواب عن شبهات القادحين في البديهيات:«ولا نشتغل بالجواب عنها، لأن الأوليات مستغنية عن أن يُذَبَّ عنها، وليس يتطرق إلينا شكٌّ فيها بتلك الشبه التي نعلم أنها فاسدة قطعًا، وإن لم يتيقن عندنا وجهُ فسادها»(١). أفلا يكفي مثبتي الأينية أن يجيبوا عما سمَّاه الغزالي «أدلة» بمثل هذا؟
فإن قيل: إن من تلك الأدلة البراهينَ على وجود واجب الوجود، لأنه لا يصح كونُه واجبَ الوجود إلا إذا لم يكن له أين، فجمودكم على تلك القضية يقتضي نفيَ وجودِ واجبِ الوجود.
قلت: البراهين الصحيحة على وجوده لا تقيِّد بعدم الأين، بل منها ما يقضي بوجوده مع ثبوت الأين له. فأما المقاييس التي يتشبث بها النفاة فهي من الشبهات التي نتيقن فسادها، وإن فُرِض أنه لم يتعيَّن لنا وجهُه.
أقول: وفي هذا مع الأدلة الشرعية ما يكفي الراغبَ في الحق الخاضعَ له، فلا حاجة بنا إلى التشاغل بتلك الشبهات. ولكن أشير هاهنا إلى نكات:
الأولى: المتعمقون يقولون: إنَّ ذات البارئ عز وجل مجردة، ثم منهم من يُثبت ذواتٍ كثيرة مجردة حتى عدُّوا منها الملائكة وأرواح الخلق، ومنهم