تقدَّم تقسيمُ الأخبار إلى مقطوع بكذبه، ومقطوع بصدقه، وما لا ولا.
وتقدم تفصيل القسمين الأولين، وبقي الثالث، وهو المشهور بأخبار الآحاد. وقد قسمها أهل الحديث إلى: صحيح وحسن وضعيف، وحدودها معروفة في كتبهم، وإنما أنبه هنا على ما أراه مهمًّا. وسأسرد ذلك في فصول.
فصل
كان الثنوية من المجوس يعلمون وجود الله عز وجل وعظمته وجلاله، ثم أخذوا يثبتون له ما يرونه كمالًا، وينفون عنه ما يرونه نقصًا، إلى أن قالوا: هو سبحانه خير محض. فوسوس لهم الشيطان قائلًا: فمن أين جاءت هذه الشرور المشاهدة في العالم؟ فكانوا قد سمعوا عن الأنبياء إثبات وجود الشيطان وسعيه في إضلال العباد، فقالوا: من الشيطان. فقال لهم: والشيطان من أوجده؟
فلم يرجعوا إلى الأنبياء وسننهم، بل اغتروا بعقولهم، فتفكروا قائلين: إن قلنا: أوجده الله عز وجل، لزِمَنا أن يكون الله سبحانه خلق جرثومة الشر، وكيف يكون سبحانه مع ذلك خيرًا محضًا؟ وإن قلنا: أوجده غيره، أثبتنا ربًّا غير الله عز وجل، وذلك أشد. وإن قلنا: وُجِد بغير موجدٍ أوجده، فذاك محال. فتخرَّصوا فقالوا: أوجده الله بغير قصد، وذلك أنه سبحانه فكَّر فكرةً رديئة فكان منها الشيطان. فقال لهم: إذا جاز أن يفكر فكرة رديئة لم يكن خيرًا محضًا.