للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فوقعوا في المهواة. قالوا: الشيطان قديم. ولم يقنع منهم الشيطان بذلك، بل قال لهم: فقد كان ينبغي أن يُهلِكه الله عز وجل ويقطع دابر الشر. فوقعوا في المهواة الأخرى. قالوا: للشيطان قدرة ذاتية عظيمة، والله عز وجل جادٌّ مجدٌّ في إهلاكه، والحرب بينهما مستمرة.

ثم خادعوا أنفسهم فقالوا: في آخر الأمر يتمُّ انتصار الله عز وجل على الشيطان، ويلقيه وحزبه في جهنم، ويتخلص العالم من الشر.

كان قدماء المصريين موحدين، ثم طال بهم العهد، فاستغنوا عن هدي الأنبياء، وأخذوا يعظمون الله عز وجل بما تقتضيه عقولهم.

فقالوا: إن الرب عز وجل بغاية العظمة والكبرياء، والبشر في غاية من الجهل والفساد والحقارة، ومن شأن ملوك الدنيا أن يأنفوا من مقابلة سقط الناس، ويُعدُّ تعرُّض سقط الناس لمقابلة الملك ومباشرة تعظيمه تحقيرًا له. كما لو اجتمع نفرٌ من كنَّاسي المراحيض وقالوا: نحب مقابلة الملك، لِنُحيِّيه ونُهنِّئه مثلًا؛ لاستحقوا العقوبة. فنسبة البشر إلى الرب عز وجل أبعد بما لا نهاية له من نسبة سقط الناس إلى ملوكهم.

فقيل لهم: لكن البشر محتاجون إلى عبادة ربهم وسؤال حوائجهم. وكان قد بلغهم عن الأنبياء إثبات الملائكة.

فقالوا: كما أن سقط الناس يجعلون تعظيمهم وسؤال حوائجهم إلى أناس أعلى منهم قليلًا، ثم تكون لهم درجات، إلى أن ينتهي الأمر إلى الوزراء. فمَن دون الوزراء يعظِّم الوزراء ويسألهم، وهم بدورهم يعظِّمون الملك ويسألونه. فكذلك ينبغي للبشر أن يوجِّهوا عبادتهم إلى الملائكة؛