قلت: ونحن لم نقل إنه تمثّل به، وإنما قلنا: إنّ قوّة التخيّل تبلغ بالإنسان أن يرى في اليقظة ما يراه في النوم، كما أنّ قوّة التخيّل قد توهم الإنسان أنه رأى بعينيه الشحميَّتين ما لم يره، ويسمع بأذنيه ما لم يسمعه، ويلمس ببعض أعضائه ما لم يلمسه، كمن يتراءى الهلال ليلة الثلاثين، ويطيلُ النظرَ، فإنه يتخيّل أنه رأى الهلال، ولكنه لا يلبث أن يزول، فيذهب بعضُ الجهّال يشهد برؤية الهلال.
وأما مَن يعرف السبب فإنه لا يعتبر تلك الخَطْفة حتَّى تثبت الرؤية. ولا يبعد أنه إذا قوي التخيّل، ولاسيّما مع الرياضة والتفرُّغ والتخلِّي عن الناس= يبلغ الإنسان إلى حدٍّ أعظم من هذا، فيظنّه قد رآى وتثبّت. وقد مرّ في المنقول عن الآلوسي ما يفيده.
وأما في تخيّل غير ذات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنهم معرّضون لتلاعب الشياطين ــ والعياذ بالله ــ في حواسهم الباطنة والظاهرة برياضةٍ أو بدونها، وعُقلاؤهم عارفون بهذا ولكنهم يرون أن اشتغال المريد بأوصاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى حدّ استحضارها تمامًا بحيث يصير يراها في النوم، ويراها برؤيا المثال في اليَقَظة= مزية عظيمة وفائدة كبيرة، ومع ذلك فإنهم لا يزالون يرشدون كلَّ من سلك طريقهم أن يعرض كل ما ظهر له من الأفهام على كتاب الله تعالى وسنة رسوله، أي بدلالتيهما التي اعتبرها الشرع، فإن كان موافقًا عمل به، وإن كان مخالفًا حَذِره، وإن لم يعلم موافقته ولا مخالفته وَقَف، فينزِّلون الكشفَ منزلةَ الرؤيا، وهم في هذا مصيبون، وإنما خطؤهم من حيث مخالفتُهم لذلك أحيانًا، ومن حيث سلوكُهم طريقًا غير الطريق التي أمر الله تعالى بها ورسولُه، ولزمها الصحابةُ