ثم قال سبحانه وتعالى مؤكِّدًا هذا المعنى، ومقيِّدًا الأمرَ برزق الحاضرين، ومنبِّهًا على وجوب حفظ أموال الصغار على كل حال:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}. وفي معنى الأكل إضاعتها، كإسراف الوصي في رزق حاضري القسمة، والتسبُّب في ضياعها بحمل المحتضر على الوصية، وغير ذلك. وفي هذه الآية تنبيهٌ أيضًا على شمول لفظ "الرجال" للصبيان.
ثم أراد سبحانه وتعالى تفصيلَ ما تقدَّم من الإجمال فقال:
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ} أيها الرجال، كما يدلُّ عليه قوله فيما يأتي {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}، وحكم الإناث كذلك بالقياس، {فِي أَوْلَادِكُمْ} كل رجل في أولاده، فالكلام على التوزيع كما في قوله تعالى:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ}[المائدة: ٦]، أي ليغسلْ كلٌّ منكم يديه.
ولعل الجيراجي يزعم أن التقدير:(يوصيكم الله في) شأن (أولاد) من توفى منـ (كم). ويبني على هذا شبهته التي ذكرها (ص ٤) بقوله: "أما إذا مات المورث بلا وصية، ولم يقسم ماله بين ورثته، فحينئذٍ يعمل بآية الميراث".
وتقرير هذه الشبهة بوجهٍ علمي أن آية الميراث على التقدير الأخير تعُمُّ المتوفى بدون وصية والمتوفى عن وصية، وآية الوصية خاصة في الثاني، والأصلُ في مثل هذا حملُ العام على الخاص، فيُعمل بالاثنين معًا: آية الوصية في معناها، وآية الميراث في الباقي، ولا نسخَ.