ولم يقيّد هنا بترك المال الكثير كما في آية الوصية، لأنه لا حاجة لذلك هنا؛ لأنه لا يحضر القسمةَ من الأقربين التماسًا للرزق إلا المحتاجون منهم الذين يقبلون ما يُعطَون ولو قليلًا، ولعل في هذا إشارةً إلى النسخ أيضًا.
ولما انتهى حكم الوصية التي كانت مشروعةً، وأقام الله عزَّ وجلَّ مقامَها ما يُغني عنها وزيادة، أشار سبحانه وتعالى إلى كراهة الإيصاء بشيء من المال، فقال:{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}[النساء: ٩].
في "الدر المنثور"(١): أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في الآية قال: يعني الرجل يحضره الموت فيقال له: تصدَّقْ من مالك وأعتِقْ وأعطِ منه في سبيل الله، فنُهُوا أن يأمروا بذلك. يعني أن من حضر منكم مريضًا عند الموت، فلا يأمره أن يُنفِق ماله في العتق أو في الصدقة أو في سبيل الله، ولكن يأمره أن يُبيّن ما له وما عليه ويُوصي لذوي قرابته الذين لا يرثون، يوصي لهم بالخمس أو الربع. يقول: أليس أحدكم إذا مات وله ولدٌ ضِعاف يعني صغارًا، يخشى أن يتركهم بغير مالٍ، فيكونون عِيالًا على الناس؟ فلا ينبغي لكم أن تأمروه بما لا ترضَون به لأنفسكم ولأولادكم.
ونهْيُ الحاضرين عن حمل المحتضر على الوصية يدلُّ على نهيه ــ أعني المحتضر ــ عن الوصية، ولكن الآية تدلُّ على الكراهة فقط. وفي قوله:{ذُرِّيَّةً ضِعَافًا} تنبيهٌ على شمول لفظ "الرجال" للصبيان.
(١) (٤/ ٢٤٨). وانظر تفسير الطبري (٦/ ٤٤٧) وابن أبي حاتم (٣/ ٨٧٦، ٨٧٧) والسنن الكبرى للبيهقي (٦/ ٢٧٠، ٢٧١).