للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدلالة على نسخ تلك الآية، أراد الله عزَّ وجلَّ أن يُثبِت لذوي القربى غير الوارثين ما يقوم مقامَ ما كان لهم في آية الوصية، حتى يستوفي ما بقي من فوائد الوصية، فيتمّ نسخُ حكم تلك الآية، فقال تعالى:

{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} من المتوفى غير الوارثين، ولم يقل "الأقربون" ليشير إلى أن المراد هنا غير الوارثين، وذلك من تغيير العبارة، وأيضًا كثرة تكرار كلمة "الأقربون" يُوجِب كراهيةً في الكلام.

وأيضًا كلمة "الأقربون" لم تجئ في القرآن إلّا معطوفةً على الوالدين، أو صفةً لموصوفٍ مذكور في آية {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، وعبَّر عنها في غير ذلك بأولي القربى ونحوها، ولعلَّ لذلك حكمةً، والله أعلم.

{وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}.

في البخاري (١) وغيره عن ابن عباس نفْيُ نسْخِ هذه الآية، قال: ولكنها مما تهاونَ الناسُ بها، وهما واليان: والٍ يرث وذلك الذي يرزق، ووالٍ ليس بوارثٍ، فذاك الذي يقول قولًا معروفًا إنه مالُ يتامَى وما لي فيه شيء.

وفيه شيء، فإن الظاهر أن الخطاب يعمُّ الوارثَ والوصيَّ بأن يرزق ويقول معروفًا معًا، غير أن الوصيّ يجب عليه الاقتصاد في العطاء. وإذا حملنا الأمر على الندب كما يشهد له الإجماع على عدم العمل، كان الأحوط للوصي أن لا يُعطي شيئًا، والله أعلم.


(١) رقم (٢٧٥٩). وأخرجه أيضًا سعيد بن منصور في سننه (٥٧٦ ــ تفسير) والطبري في تفسيره (٦/ ٤٣٣) وابن المنذر (١٤١٢)، وابن أبي حاتم (٣/ ٨٧٤) وغيرهم.