[ص ٣٣](١) إذا فكرنا في حال الإنسان وجميع ما يحتاج إلى العلم به لتحصيل نفعٍ أو دفعِ ضرٍّ في دينه ودنياه، وجدناه في معظم ذلك مفتقرًا إلى الكلام.
وقد امتنَّ الله عزَّ وجلَّ على عباده بالسمع والأبصار والأفئدة في عدة آيات، منها: قوله سبحانه: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل: ٧٨].
وأكثر ما ينتفع بالسمع في سمع الكلام؛ وينتفع بالبصر في أشياء منها رؤية المتكلم، ورؤية إشارته، وقراءة الكتب؛ وبالأفئدة في أشياء: منها معرفة معاني الكلام حتى يعبر عما في نفسه عبارة صحيحة، ويفهم كلام غيره فهمًا صحيحًا.
وامتنَّ الله عزَّ وجلَّ بتعليم الكتابة، وإنما منفعتها أن تنوب عن النطق والحفظ، فيكتب الإنسان الكلامَ المعبِّر عما في نفسه، أو الكلامَ الذي سمعه من غيره، أو الذي رآه في كتاب غيره، ويقرأ كتابَه غيرُه فيفهم المراد. قال تعالى في أول سورة أنزلها على خاتم أنبيائه صلى الله عليه وآله وسلم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [أول سورة العلق]. وقال سبحانه: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢)} [أول سورة القلم].
وكذلك امتنَّ الله عزَّ وجلَّ بتعليم الكتاب المبين، قال سبحانه أولَ سورة الرحمن: {الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ
(١) من هنا تبدأ القطعة الثانية من الكتاب، وفي آخرها نقص.