من الواضح أن الكذب قد يكون عمدًا ويكون خطأ، وأنه قد يكون كليًّا ويكون جزئيًّا. وأريد بالكلي: أن يكون الخبر كله كذبًا سندًا ومتنًا، وبالجزئي: أن يكون فيه ما هو حق وما هو باطل، فقد يكون السند حقًّا والخبر باطلًا، إما البتَّةَ وإما بذلك السند. وذلك كمن يسمع حديثًا بسندٍ، فيغلَط، فيتوهم أن الذي سمعه بذلك السند كلام آخر، فيروي ذلك الكلام بذلك السند. وقد يكون ذلك الكلام صحيحًا في نفسه، لكن بسند آخر، وقد يكون باطلًا.
وقد يكون الكذب الجزئي بإسقاط رجل من السند، أو زيادته، أو إبدال اسم بآخر، أو نحو ذلك. وكذلك يكون في المتن بتغييرٍ فيه يُغيِّر المعنى بزيادة أو نقص، أو تقديم وتأخير، أو إبدال كلمةٍ بأخرى، ونحو ذلك.
ومن المعروف المشاهد أيضًا أن صلاح الإنسان في نفسه إنما يحصل به الوثوق أنه لا يتعمد الكذب. ويبقى احتمال الكذب خطأ، فهذا لا يندفع إلا بأمر زائد على صلاح الراوي في نفسه، وهو الضبط. وهو عبارة عن حالٍ تحصلُ للإنسان باجتماع أمرين: ثبات، وتثبُّت.
وتوضيحه: أن الرجل إذا سمع كلامًا من رجل، فقد يسمعه كما ينبغي، ويحفظه كما ينبغي، ويفهمه كما ينبغي، ويكون عارفًا أن المتكلم هو فلان بن فلان كما ينبغي. وإنْ كتبه كتبه كما ينبغي، وحفظ كتابه كما ينبغي.
وقد لا يكون بعض هذا كما ينبغي؛ فمن الناس من لا يسمع كما ينبغي،