ولكنه يتوهم أنه سمع كما ينبغي، وكذلك في الحفظ وغيره، فهذا غير ضابطٍ إذا كانت هذه عادته وكثرت منه.
ومنهم من هو ضابط لميزان نفسه، يعرف غالبًا متى سمع كما ينبغي، ومتى لم يسمع كما ينبغي، وهكذا في الباقي. ثم إذا أراد أن يحدِّث بذلك الخبر، فقد يكون غيرَ ذاكرٍ للقصة كما ينبغي، ولكنه يتوهم أنه ذاكر لها كما ينبغي، وقد يكون ضابطًا لميزان نفسه، يعرف حال ذكره للقصة أكما ينبغي أم لا؟
فكون الإنسان ضابطًا لميزان نفسه عند التلقي وعند الأداء هو الثبات.
ثم قد يكون للإنسان ثباتٌ في نفسه ولكنه لا يتفقَّدها عند الأداء، فيخبر بما لم يضبطه، ولو تفقَّد نفسَه لعلم أنه لم يضبطه، فهذا غير متثبِّت، إذ لا فائدة في ثباتٍ في النفس لا يستعمله صاحبه.
وقد يكون مع ثباته في نفسه يتفقد نفسه عند الأداء، فيعرف حقيقة الحال، فيحدث بحسبها، فهذا هو المتثبت.
فاجتماع الثبات والتثبت هو الضبط.
هذا، ومن أهل العلم من أدرج الضبط في العدالة، فجعل العدالة هي الصلاح في الدين والضبط، والخطبُ سهل.
ومما يدل على اشتراط الضبط ــ مع الاتفاق عليه ــ الآية السابقة، فقد بينت أن وجوب التبيُّن في نبأ الفاسق إنما هو لأنه لا يُوثَق بخبره، وإذا لم يُوثَق به فالعمل به عمل بجهالة. وخبر المغفَّل والمتساهل كذلك. ويدل عليه قوله تعالى في الشهود:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}[البقرة: ٢٨٢].