مسألة: رجلان ادُّعي عليهما قتلُ آخر عمدًا وعدوانًا دعوى صحيحة، فأجابا أنهما هجما عليه لقصد ضربه لا قتله، وأخذا يضربانه، فاستلَّ سكينًا من حزام أحدهما، فأمسكا يده، وتجاذبا السكين، فوقعتْ به طعنة في جانب ظهره الأيسر. وكلٌّ منهما قال: لا أدري ممن الطعنة، ثم قال أحدهما: أنا القاتل، ثم روجع الآخر على أن يقر أو ينكر، فأصرَّ على قوله: لا أدري ممن.
قد تتبعت مظانَّ المسألة مما وجدته من كتب المذهب، فلم أظفر بها صريحةً، إلّا أنهم قسموا حالة المدعى عليه بعد الدعوى إلى قسمين: إقرار وإنكار. أما الإقرار فله باب مخصوص، وأما الإنكار فهو نقض إلزام الدعوى. وألحقوا به وبالنكول إصرار المدَّعى عليه على السكوت عن جواب الدعوى. والظاهر من عباراتهم أنه ليس مرادهم السكوت المطلق، وهو مقابل النطق، بل السكوت عن جواب الدعوى المفهوم من إطلاقه، أي الجواب بشرط صحته، حتى يدخل ما لو نطق بما لا يصح جوابًا، كقوله: يثبت ما يقول ونحوه، فلا يكتفى به، بل يلزمه أن يبيِّن إما بالإقرار بما ألزمته به الدعوى، وإما بالإنكار لذلك، أو التفصيل، وهو راجع إليهما. فإن بيَّن فالأمر واضح، وإلّا نُزِّل منزلةَ المنكر الناكل، وشرط كون الدعوى ملزمةً من فروعه أن ينسب القتل مثلًا إلى المدعى عليه نفسه، أو إلى مَن يلزمه بقتله شيء، وليس اللزوم. فلو قال: قتله أخوه، ولم يزد على ذلك ما يلزم، لم يسمع.
قال في «عماد الرضا»(١): «حُكي أن رجلين تقدما إلى قاضٍ، فقال
(١) النقل من كلام المناوي في شرحه على «عماد الرضا» (١/ ٣٥٠).