أما عدم الغشّ فظاهر، وأما التعرُّض للاتهام؛ فلأنه يعلم صدق أخيه وتحرُّزه، فيثِقُ بأنه لن يظهر على الخبر المذكور أنه كذب، لا عمدًا ولا خطأً، فإن فُرِض في النادر أن يظهر أنه خطأٌ أمكنه أن يعتذر بأنه إنما أخبره فلان، ويرى أنه لن يُتَّهم بالكذب، لا هو ولا أخوه، ولا أن يُتَّهم بأنه كذب بقوله: إنما أخبره فلان؛ لعلمِ الناس بصدق الصحابة وأمانتهم.
فمن تدبَّر هذا وعلم مصدر الظهور السابق، علم أن قول الصحابي: قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كيتَ وكيتَ، لا يكون ظاهرًا في أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. بل هو على الاحتمال في أن يكون سمعه منه - صلى الله عليه وآله وسلم -، أو من صحابي آخر عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -.
وأما التابعون فلم تكن لهم تلك الثقةُ، ولكن بقي قريبٌ منها، فإن العصر كان الغالب فيه الديانة والأمانة، واستعظام الكذب على الله وعلى رسوله، فانقسموا إلى ثلاثة أقسام:
الأول: من جرى على نحو ما وقع من الصحابة، فربما روى عمّن لقيه ما لم يسمعه منه، فمن هؤلاء: أيوب السختياني، وزيد بن أسلم، وطاوس، وأبو قلابة الجرمي، وعمرو بن دينار، وموسى بن عقبة، وأبو مِجْلز، والحسن البصري، والحكم بن عتيبة، وسالم بن أبي الجعد، وسعيد بن أبي عروبة، ويحيى بن أبي كثير، وأبو سفيان طلحة بن نافع، وعبد الملك بن عمير، وعكرمة بن عمار، وأبو الزبير المكي، وابن شهاب، ومكحول، وعدة قد جمعهم ابن حجر في "طبقات المدلسين".
وأكثر هؤلاء إنما كانوا يفعلون ذلك عند الوثوق بصدق من بينهم وبين من سَمَّوه، فيرون أنه ليس في فعلهم غِشٌّ في الدين، وأنه إن ظهر غلطٌ واعتذروا لا يُتَّهمون؛ لعلم الناس بصدقهم وأمانتهم، وأن من تدبر هذه