الحال وعرف مصدر الظهور الذي تقدم بيانه، يرى أنه لا يظهر من روايتهم على الوجه المذكور أنهم سمعوا، بل يكون على الاحتمال، فحالهم قريب من حال الصحابة رضي الله عنهم.
وقليلٌ من هؤلاء كانوا يتساهلون فيروون على الوجه المذكور وإن لم يَثِقُوا بمن بينهم وبين من سمَّوا، والعذر في حقهم أنهم إن شاء الله كانوا أولًا يفعلون ذلك ثم يبينون في المجلس إلى إن اشتهر عنهم أنهم يفعلون ذلك، فعدوا تلك قرينة تصرف عن الظهور، وأهل الحديث يسمون ما وقع من هذا القسم تدليسًا، وهذا الاسم مناسب للمتساهلين، ولكن قد أطلق عليهم وعلى الآخرين.
القسم الثاني: قوم لم يكونوا يفعلون ذلك، ولكنهم كانوا يروون عمن عاصروه ولم يَلْقَوه، كأنهم يرون أن الظهور الذي تقدم بيانه إنما يقوى إذا عُلِم أن الراوي قد لقي من سمى. وأنت إذا تدبرت لم تستبعد هذا، فاعتبِرْه بأهل عصرك، إذا أخبرك واحد منهم عن آخر لم تعلم أنه لقيه، هل يكون الظاهر عندك أنه سمعه منه؟
فإن قلت: بلى قد يكون الظاهر في ذلك إذا كانا في بلد واحد.
قلتُ: أَنْعِمِ النظرَ وكثِّر الأمثلة، فإنك تجد أنه لا يظهر السماع حتى يكون الظاهر اللقاء، بل قد ترتاب في ظهور السماع مع ظهور اللقاء، بل ومع العلم به إذا كان معروفًا أن اللقاء وقع نادرًا، كأن يكون تاجر لا شأن له بمخالطة الملك، ولكنك تعلم أنه قد رأى الملك مرةً في مجلسٍ وسمع كلامه، فتدبر.
والسرّ في هذا أن ذلك التاجر لا يخشى الاتهام بالكذب إذا ظهر بطلان الخبر؛ لأنه يقول: إنما أخبرني [تعلمون الملك ولا]، فإن قلت [ ... ]