للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[٢ - فصل]

الدين على درجات: كَفٌّ عما نُهي عنه، وعملٌ بما أُمر به، واعترافٌ بالحق، واعتقادٌ له وعلمٌ به. ومخالفة الهوى للحق في الكف واضحة، فإنّ عامة ما نُهي عنه شهوات ومستلذات، وقد لا يشتهي الإنسان الشيء من ذلك لِذاته، ولكنه يشتهيه لعارض. ومخالفة الهوى للحق في العمل واضحة لما فيه من الكلفة والمشقة.

ومخالفة الهوى للحق في الاعتراف بالحق من وجوه:

الأول: أن يرى الإنسان أنَّ اعترافَه بالحق يستلزم اعترافَه بأنه كان على باطل. فالإنسان ينشأ على دين أو اعتقاد أو مذهب أو رأي يتلقَّاه من مربِّيه ومعلِّمه على أنه حقٌّ، فيكون عليه مدةً، ثم إذا تبين له أنه باطل شقَّ عليه أن يعترف بذلك. وهكذا إذا كان آباؤه أو أجداده أو متبوعه على شيء، ثم تبيَّن له بطلانه. وذلك أنه يرى أن نقصَهم مستلزمٌ لنقصه، فاعترافه بضلالهم أو خطئهم اعتراف بنقصه. حتى إنك لترى المرأة في زماننا هذا إذا وقفتْ على بعض المسائل التي كان فيها خلاف بين أم المؤمنين عائشة وغيرها من الصحابة أخذت تُحامي عن قول عائشة، لا لشيء إلا لأن عائشة امرأة مثلها، فتتوهم أنها إذا زعمت أن عائشة أصابت وأن مَن خالفها من الرجال أخطأوا، كان في ذلك إثبات فضيلة لعائشة على أولئك الرجال، فتكون تلك فضيلةً للنساء على الرجال مطلقًا، فينالها حظٌّ من ذلك. وبهذا يلوح لك سرُّ تعصُّبِ العربي للعربي، والفارسي للفارسي، والتركي للتركي، وغير ذلك. حتى لقد يتعصب الأعمى (١) في عصرنا هذا للمعرِّي!


(١) يشير إلى الدكتور طه حسين الذي ألَّف عن أبي العلاء المعري، وقوَّله ما لم يقلْه، ونسب إليه كلَّ إلحاد وزندقة. فانبرى له العلامة عبد العزيز الميمني وردَّ عليه في كتابه المشهور "أبو العلاء وما إليه".