أنَّه كفرٌ، فلم يمتنع وقوع ذلك من بعضهم عمدًا، فتدبَّرْ، والله أعلم.
وأما حديث: أنَّ «الرئاء شرك» فغاية ما فيه أنَّ الشرك فيه متأوَّل على خلاف ظاهره، وتأويل كلمةٍ في كلامٍ وقعت فيه لقيام الدليل الموجب لتأويلها فيه لا يلزم منه جواز تأويل تلك الكلمة في كلِّ كلامٍ وقعت فيه، ولا دليل على تأويلها، ولزوم ذلك باطل قطعًا لا يقول به أحد.
وتحقيق المقام: أنَّ الشرك إذا أُطْلِق في الشريعة في مقام الذَّمِّ كان المراد به الشركَ بالله عزَّ وجلَّ، بأن يُشْرِكَ معه غَيْرَه في العبادة على سبيل العبادة للشريك، هذا هو الحقيقة المتبادرة. وأما الرئاء فهو أن يشرك مع الله تعالى غيره في العبادة، ولكن لا على سبيل العبادة للشريك، فإنَّ مَنْ كان يصلِّي فحضره رجل فأطال الصلاة ليَحْسُنَ اعتقاد الرجل فيه فينالَ منه غرضًا دنيويًّا فإنَّ المرائي قد أشرك ذلك الرجل مع الله تعالى في صلاته؛ لأنَّ صلاته كانت لله عزَّ وجلَّ ولأجل ذلك الرجل، ولكن لم يكن ذلك على سبيل العبادة لذلك الرجل؛ [٧٣٦] لأنَّه لم يجعل إطالته صلاته لأجله خضوعًا وتعظيمًا له يَطْلُبُ به نفعًا غيبيًّا من جهة كونه خضوعًا وتعظيمًا له, فتدبّر وأمعن النظر.
فأمَّا بالنظر إلى اللغة فمن راءى فقد أشرك؛ لأنَّه فعل فعلًا لأجل الله عزَّ وجلَّ ولأجل غيره، وأمَّا بالنظر إلى الشرع فلم يشرك، وإطلاق بعض الأحاديث أنَّه قد أشرك مجاز.
ومما يبين هذا: أنه لم يجئ في الشرع نصٌّ على أنَّ الرئاء شرك بالله، وإنما جاء أنَّه شرك فحسب؛ لأنَّ الشرك بالله نصٌّ في الشرك الذي هو كفر، ولذلك عدّاه بالباء لتضمينه معنى الكفر بالله أو العدل بالله على ما تقدَّم، والله أعلم.