للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنها كِبار كما ذكره الشافعي، فالفرقان مائتان وأربعون رطلًا. ومرَّ عن الشافعي وشيخِه مسلم بن خالد صاحبِ ابن جريج جعلُ الشيء نصفًا، وحرَّر بعض أصحاب الشافعي القِرْبة بمائة رطل، فتكون القلة مائتين وخمسين رطلًا. فتقاربت روايتا الفَرْقين، والقِرْبتين وشيء.

فأما ما روي عن الإمام أحمد أن القُلتين أربع قِرَب (١) فكأنه رجَّح رواية أبي قُرَّة عن ابن جريج، ورأى أن القُلتين في أصل الحديث مطلقتان، وأن قِلالَ هَجَرٍ أكبر من قلال المدينة، فرأى أن الزيادة على أربع قِرَب غلوٌّ في الاحتياط لا حاجة إليه.

وأما قول إسحاق بن راهويه إن القُلتين ستُّ قِرَب، فكأنه أخذه من قول الشافعي: "خمس قِرَب" مع قوله: إن قِرَبَ الحجاز كبار، فاحتاط إسحاق، فجعلها ستَّ قِرَب بقِرَب العراق.

وعلى كل حال، فذاك المقدار ــ أعني خمسَ قِرَب من قِرَب الحجاز ــ داخل هو وما زاد عليه في حكم منطوق الحديث حتمًا، أعني أنه لا ينجَس، لأنه يشتمل على قُلتين أو قلتين وزيادة، على جميع التفاسير؛ فدلالةُ الحديث على أنه لا ينجس حتمية. وكذلك دلالة الحديث على أن الماء القليل الذي لا يبلغ أن يكون قلَّتين في تفسير من التفاسير ينجَس= واضحة. فبطلت دعوى تعذُّر العمل بالحديث، وتحتَّم على مَن يعترف بصحته أن يعمل به فيما ذكر.

وأما الأمر الخامس، وهو الاحتجاج بحديث الماء الدائم، فإنه صح في


(١) كما في "المغني" لابن قدامة (١/ ٣٧).