أقول: الراوي الذي يطعن فيه محدثو بلده طعنًا شديدًا لا يزيده ثناءُ بعض الغرباء عليه إلا وهنًا، لأن ذلك يُشعِر بأنه كان يتعمد التخليط، فتزيَّن لبعض الغرباء، واستقبله بأحاديث مستقيمة، فظن أن ذلك شأنه مطلقًا، فأثنى عليه. وعرف أهل بلده حقيقة حاله. وهذه حال المغيرة هذا، فإنه جزري أسقطه محدثو الجزيرة. فقال أبو جعفر النفيلى: لم يكن مؤتمنًا. وقال علي بن ميمون الرقي: كان لا يَسْوَى بَعْرةً. وأبو حاتم وأبو زرعة رازيان كأنهما لقياه في رحلتهما، فسمعا منه، فتزيَّن لهما ــ كما تقدَّم ــ فأحسنا به الظنَّ. وقد ضعَّفه ممن جاء بعد ذلك: الدارقطني وابن عدي، لأنهما اعتبرا أحاديثه. وحسبك دليلًا على تخليطه هذا الحديث، فإن الناس رَووه عن ابن إسحاق، عن ابن عبد الله بن عمر، عن أبيه. ولا ذِكر فيه لقِلال هَجَر، ولا للتقدير؛ فخلَّط فيه المغيرة ما شاء.
هذا، والذي في "الميزان" (١) في ترجمة المغيرة هذا: " ... عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا: إذا كان الماء قُلتين لم ينجِّسه شيء، والقُلة أربعة آصُع". ففي هذا أن القلة الواحدة اثنان وثلاثون رطلًا، لا القُلتان معًا. والصاع عند العراقيين ثمانية أرطال، وقد [٢/ ١٤] يكون المغيرة رأى في بعض الروايات التقدير بالفَرْقين، فظنَّه بفتح الراء كما تقدم. وهو تالف على كل حال.
هذا، والفَرْقان بسكون الراء قريبٌ من قِربتين وشيء من قِرَب الحجاز،