للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا كلّه جعاجع، والصواب إنما هو النظر في النصوص، فإن وُجِد فيها دلالة بيِّنة فذاك، وإلا نُظِر في التعديل أشهادة هو أم خبر؟ أم شهادة في تعديل الشاهد وخبر في تعديل المخبر؟ فإن تعيَّن واحدٌ من هذه الثلاثة فذاك، وإلا نُظِر في الحكمة التي لأجلها فرّق الشارع بين الشهادة والخبر، ثم ينظر في التعديل أمثل الشهادة في تلك الحكمة، أم كالخبر؟ فهذه ثلاثة مسالك.

فأما النصوص فهاكها، فمنها حديث "الصحيحين" (١) عن أنس في الثناء على الميّت وفيه: مُرَّ بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: "وجبت"، ثم مَرُّوا بأخرى فأثنوا عليها شرًّا، فقال: "وجبت"، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: "هذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت [له] الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض".

ولهما (٢) من طريق أبي الأسود عن عمر نحو هذه كقصته، فقال أبو الأسود: فقلت: وما "وجبت" يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أيُّما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة"، فقلنا: وثلاثة؟ قال: "وثلاثة"، فقلنا: واثنان؟ قال: "واثنان"، ثم لم نسأله عن الواحد.

أقول: وتفسير هذا ما رواه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث أنس مرفوعًا: "ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا


(١) البخاري (١٣٦٧)، ومسلم (٩٤٩).
(٢) هو في البخاري (١٣٦٨) دون مسلم. وأخرجه الترمذي (١٠٥٩)، والنسائي (١٩٣٤).