للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ٣٥] فصل

قد قدمنا الفرق بين القرض بربا وبين بيع السلعة بثمن إلى أجل أزيد من ثمنها نقدًا، والسلم في سلعة إلى أجل بأقل من ثمنها نقدًا.

وحاصله موضحًا: أنه إنما يُعقل أن يكون لمن دفع ماله حالاًّ ليعوض عنه مؤجلًا استحقاقٌ للربح، إذا علم أنه فاته بسبب الإعطاء إلى أجلٍ ربحٌ آخر، وإنما يتصور هذا إذا كان لو لم يعط ذلك المال إلى أجل لتصرَّفَ فيه بالبيع والشراء الذي هو مظنة الربح.

وهذا أمر غيبيٌّ، وأقرب ما يتعرف به هو النظر إلى نية المعطي على فرض أنه لو لم يطلب منه المال إلى أجل؛ أكان ينوي أن يحتفظ به، أم كان ينوي أن يتصرف فيه بالبيع والشراء.

ولكن النية أمر خفي بالنظر إلى الآخذ والشهود والحكَّام، وقد تخفى على المعطي نفسه، وعلى فرض ادعائه نية التصرف لا ينبغي تصديقنا له، وإلا لأوشك أن يدَّعي كلُّ معطٍ مثل ذلك.

فاقتضت الحكمة أن يُناط الحكم بالنظر إلى النسبة بين العوضين، فمن أقرض دراهم فقد أراد أن تعود دراهمه أو مثلها له.

ففي ذلك دلالة أنه يريد الاحتفاظ بالدراهم، فلو لم يُقرِضها لكنَزَها، فظهر بذلك أنه لم يفته بسبب الإعطاء ربح، فلا حقَّ له في الجبران.

ومن باع ثوبًا بدراهم، ففي ذلك دلالة أنه لم يكن يريد الاحتفاظ بالثوب. فمن المظنون أنه لو لم يبعه بنسيئةٍ لباعه بنقدٍ، ثم يمكن أن يشتري بالنقد سلعةً أخرى ويبيعها، وهكذا، وذلك مظنة الربح، فاستحقَّ الجبران.