في النهي عن بيع الجَمْعِ بالجنيب متفاضلًا، مع أنهما لونان من التمر، وأوصافهما مختلفة، وأدلة أخرى.
إذا تقرر هذا فقد قال بعض المتأخرين: إن ظاهر حديث عبادة عند مسلم الذي ساق فيه الستَّة مساقًا واحدًا، ثم قال:"فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد" ظاهره أنه لا يحلُّ نسيئةً حتى الملح بالفضة، إلا إن ثبت الإجماع على خلافه.
أقول: ما أجملتْه هذه الروايةُ قد فسَّرته الروايات المفصّلة، فجعلت الذهب والفضة بابًا، والبر والشعير بابًا آخر.
فعُلِم منها جوازُ بيع الذهب بالفضة متفاضلًا نقدًا، ومنعُه نسيئةً، والبر بالشعير كذلك، وسكتت عن بيع البر بالذهب مَثَلًا، فكان على الجواز إلا أن يقوم دليل على منعه.
ثم إن رواية الشافعي جعلت التمر والملح بابًا ثالثًا، ووافقتْها على ذلك روايتان لا تصلحان للمتابعة، والروايات الأخرى توافق رواية الشافعي في ظهور أن التمر والملح ليسا من باب البر والشعير، ولكن لا يظهر منها أنهما باب واحد، أو كل منهما باب على حدة.
ولم أظفر بما يبين الحكم في ذلك من السنة، إلا أن إطلاق الأحاديث أنه ربا مع حديث "الصحيحين"(١) وغيرهما: "لا ربا [إلا] في النسيئة" قد يهدينا إلى الحق.
(١) أخرجه البخاري (٢١٧٨، ٢١٧٩) ومسلم (١٥٩٦) عن أسامة بن زيد.