للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ٣٤] فصل

وقد استدلّ المجوّزون بأمور أخرى:

منها: حديث رُوي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من بَلَغه عن الله شيء وفيه فضيلة فأخَذَ به إيمانًا رجاء ثوابه أعطاه الله ذلك". ورُوي نحوه عن ابن عمر مرفوعًا، وعن أنسٍ مرفوعًا.

وهذا الحديث ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" (١) والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة" ج ١ ص ١١١ - ١١٣ (٢). وطرقه تدور على الكذابين والمتهمين.

واعلم أن الزنادقة والضُّلّال والكذّابين في تلك القرون كان ربما اجتمع منهم (٣) جماعة، فتواطؤوا على وضع حديث، ثم يذهب كلّ منهم يرويه بإسنادٍ غير إسناد صاحبه ليُشَبِّهوا على الناس. وكان جماعةٌ منهم إذا سمعوا حديثًا غريبًا من كذّاب ذهب كلّ منهم يخترع له إسنادًا. وكانوا كثيرًا ما يُغَلّطون المغفّلين من الرواة إما بالتلقين وإما بالإلحاق في كتبهم، وإما بغير ذلك.

كل هذا معروف لمن مارس الحديث، فلا يغرّنّك تعدد الطرق مع دورانها على الهلْكَى والمتروكين والمغفّلين، وإن نُسِب بعضهم إلى الزهد والصلاح؛ فقد كان كثيرٌ من الزنادقة والضُّلّال يُظهرون الزهد والصلاح، و [كان] كثير من الزُّهّاد جُهّالًا يستحبّون الكذب في الحديث ترغيبًا للناس


(١) (٥٠١). وحديثا ابن عمر وأنس أخرجهما ابن الجوزي في "الموضوعات" أيضًا (١٦٤٢ و ١٦٤٣).
(٢) (١/ ٢١٤).
(٣) الأصل: "منهما" سبق قلم.