للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثاني فيمن يلحقه معرَّة الكذب

العيب والإثم لا يَلحقانِ كلَّ من أخبر بخبرٍ مخالفٍ للواقع، بل يُعذَر المخطئ إذا لم يقصِّر، ويَلحقان المجازفَ. وقد يَلحقُ المخبرَ عارُ الكذب وإثمه مع أن الخبر في نفسه صدقٌ، وذلك إذا جزم بالخبر وهو يراه كذبًا أي غير واقع، أو لا يدري أنه واقع، فيلحقه العيبُ والإثم، كما يلحق من أتى امرأةً يراها أجنبيةً فبانَ أنها امرأتُه، أو كانت له أمةً لا يقربها، فصادف أمةً لا يدري أنها أمتُه فوقع عليها.

[المطلب الثالث في إرادة المتكلم]

لا يخفى أن المقصود من الكلام الإفهام، وأن إرادة المتكلم أمر خفيٌّ في نفسه، وإنما يُستدلُّ

عليها بنفس الكلام أو بما يقترن به من القرائن الظاهرة، وإنما يوضع الكلام ليصير معربًا [عمَّا] في النفس. فإذا كان الخبر في نفسه أو بمعونة القرائن ظاهرًا بيِّنًا في معنى، وليس هناك قرينةٌ تَصرِف عنه= وجب القضاء بأن ذلك المعنى هو الذي أراده المتكلم. ولهذا قضى أهلُ العلم على الخبر نفسِه فقالوا: إن طابقَ الواقع فصِدْق، وإلَّا فكذب. ثم بينوا أن القرائن معتدٌّ بها في فهم الكلام. فتحرَّر من ذلك أن كل خبر تبيَّن من تدبُّرِه وتأمُّلِ القرائن التي معه إن كانت: أنه ظاهر في معنًى، فذاك المعنى إن كان واقعًا فالخبر صدقٌ، وإلَّا فكذبٌ.

وفي «الزواجر» لابن حجر الهيتمي (ص ٢٦): «نقل إمام الحرمين عن الأصوليين أن من نطق بكلمة الردة وزعم أنه [أضمر توريةً] (١) كفرَ ظاهرًا وباطنًا، وأقرَّهم على ذلك».


(١) خرم في الأصل مكان الكلمتين.