للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

ولنعطف على ابن الصَّلْت. هَبْ أن أبا حنيفة ولد سنة ٦١ أو قبلها، وأنه سمع من أنس وروى عنه عدة أحاديث، فإن هذا لا يدفع إنكار الخطيب ذاك الحديثَ على ابن الصلت، من جهة أنه لم يروه غيرُه عن بِشْر، ولا يُحفظ عن أبي يوسف ولا يَثبت عن أبي حنيفة. وهذا الحديث مما تتوفر الدواعي على كثرة روايته واشتهاره، فلو كان عند أبي حنيفة لَكثُر تحديثُه به لعلوِّ السند، وإثباتِ السماع من الصحابي، والترغيبِ فيما كان يدعو إليه من طلب العلم. ولو حدَّث به لَكثُر تحديثُ تلامذته به وإثباتُه في كتبهم. فلو قال قائل: لو كان عنده لَتواتَرَ عنه، لَما أبعدَ.

وأهل العلم من قديم يلهجون بمتن هذا الحديث، ويتطلَّبون له إسنادًا صحيحًا، فلا يجدونه. ولأجل ذلك وقع كثير من الناس في روايته بأسانيد مركَّبة أو مدلَّسة أو نحو ذلك، واحتاج أهل العلم إلى نقله من وجوه ضعيفة. ذكره ابن عبد البر في أوائل «كتاب العلم» (١) ثم قال: «هذا حديث يروى عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وجوه كثيرة كلُّها معلولة، لا حجة في شيء منها عند أهل العلم بالحديث من جهة الإسناد». ثم ذكر (٢) عن إسحاق بن راهويه المتوفى سنة ٢٣٨ «أنه كان يقول: طلب العلم واجب، ولم يصح في الخبر». قال ابن عبد البر: «يريد إسحاق ــ والله أعلم ــ أن الحديث في وجوب طلب العلم في أسانيده مقال لأهل العلم


(١) (١/ ٢٣).
(٢) (١/ ٥٢).