للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالثة: ما عليه قرائن ودلائل، إذا تنبه لها الإنسان عرفه، كما ترى أمثلة ذلك فيما يحكى من زكن إياس والشافعي وغيرهما.

فالرؤيا قد تتعلق بما هو من المرتبة الأولى لكن الحديث يقضي أنه لم يبق منها إلا ما كان على وجه التبشير فقط، وفي معناه التحذير. والفراسة تتعلق بالمرتبة الثالثة، وبقية الأمور بالمرتبة الثانية. وإنما الفرق بينها ــ والله أعلم ــ أن التحديث والإلهام من إلقاء المَلَك في الخاطر، والكهانة من إلقاء الشيطان. والكشف قوة طبيعية غريبة، كما يسمى في هذا العصر: قراءة الأفكار.

نعم قد يقال: إن الرياضة قد تؤهِّل صاحبها لأن يقع له في يقظته ما يقع له في نومه، فيكون الكشف ضربًا من الرؤيا.

[٢/ ٢٤٢] وأقول: إن صحَّ هذا، فقد تقدَّم أن الرؤيا قصاراها التبشير والتحذير. وفي "الصحيح" (١): أن الرؤيا قد تكون حقًّا وهي المعدودة من النبوة، وقد تكون من الشيطان، وقد تكونُ من حديث النفس. والتمييز مشكل، ومع ذلك فالغالب أن تكون على خلاف الظاهر حتى في رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما قصّ من ذلك في القرآن، وثبت في الأحاديث الصحيحة. ولهذه الأمور اتفق أهل العلم على أن الرؤيا لا تَصْلُح للحجة، وإنما هي تبشير وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حجةً شرعية صحيحة، كما ثبت عن


(١) أخرجه البخاري (٧٠١٧) ومسلم (٢٢٦٣) من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "رؤيا المؤمن جزءٌ من ستَّةٍ وأربعين جزءًا من النبوة" ثم ذكر تقسيم الرؤيا إلى ثلاث: حديث النفس، وتخويف من الشيطان، وبشرى من الله. وهذا التقسيم موقوف على أبي هريرة من قوله، وقد رفعه بعض الرواة. انظر "الفتح" (١٢/ ٤٠٧).