للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن عباس أنه كان يقول بمتعة الحج لثبوتها عنده بالكتاب والسنة، فرأى بعضُ أصحابه رؤيا توافق ذلك، فاستبشر ابن عباس (١).

هذا حال الرؤيا، فقِسْ عليه حالَ الكشف إن كان في معناها. فأما إن كان دونها فالأمر أوضح. وتجد في كلام المتصوِّفة أن الكشف قد يكون حقًّا، وقد يكون من الشيطان، وقد يكون تخيُّلًا موافقًا لحديث النفس. وصرَّحوا بأنه كثيرًا ما يُكْشَف للرجل بما يوافق رأيه حقًّا كان أو باطلًا. ولهذا تجد في المتصوِّفة من ينتسب إلى قول أهل الحديث، ويزعم أنه يُكْشَف له بصحة مذهبه. وهكذا تجد فيهم الأشعري والمعتزلي والمتفلسف وغيرهم، وكلٌّ يزعم أنه يُكْشَف له بصحة مذهبه، ومخالفُه منهم لا يكذِّبه ولكنه يكذِّب كَشْفَه. وقد يُكْشَف لأحدهم بما يوافق مقالات الفرقة التي ينتسب إليها، وإن لم يكن قد عرف تلك المقالات من قبل، كأنه لحسن ظنه بهم وحرصه على موافقتهم إنما تتجه هِمَّته إليهم، فيقرأ أفكارهم، وترتسم في مخيلته أحوالُهم.

فالكشف إذن تبعٌ للهوى، فغايته أن يؤيّد الهوى، ويرسِّخه في النفس، ويحول بين صاحبه وبين الاعتبار والاستبصار. فكأنّ الساعي في أن يحصل له الكشف، إنما يسعى في أن [٢/ ٢٤٣] يُضِلَّه الله عز وجل، ولا ريب أن من


(١) أخرجه البخاري (١٥٦٧) ــ واللفظ له ــ ومسلم (١٢٤٢) من طريق شعبة عن أبي جمرة الضبعي، قال: تمتعتُ، فنهاني ناسٌ، فسألتُ ابن عباس رضي الله عنهما، فأمرني، فرأيتُ في المنام كأن رجلًا يقول لي: حج مبرور وعمرة متقبَّلة، فأخبرتُ ابن عباس، فقال: سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - . فقال لي: أقِمْ عندي فأجعل لك سهمًا من مالي. قال شعبة: فقلتُ: لِمَ؟ فقال: للرؤيا التي رأيتُ.