وأما قول زكريا عليه السلام:{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} فكأن إحراز الجميع قوي فيها، ولكن قد يُوجَّه بأن المقام يستدعي ذلك؛ لأنه يسأل ولدًا يخلُفه، ولا يكفي في ذلك أن يرِثه في الجملة، بأن يحرز شيئًا ما مما هو له، وبأن تعدية "يرث" الأول بنفسه والثاني بمن يُشعِر بالفرق، والفرق الظاهر هو ما ذُكر.
وأما الجواب الرابع فيرد عليه أن تلك القاعدة إذا سلمت ففيما يكون المقام فيه يستدعي بيان النصيب، فإنه إذا لم تذكر مع ذلك عُلِم أنه إنما تُرِك لنكتةٍ، والنكتة قد تكون العموم كما مرَّ، وقد تكون غير ذلك كما هنا، فإن كون النصيب غير مقدرٍ سبب لتركِ ذكره، فتدبَّر. وقد قدمنا أن قوله تعالى:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} لا يستدعي ذِكْرَ المفعول.
فصل
قد يقال من طرف الجمهور: الكلام في مقامين: الأول في معنى الآية، والثاني في النظر.
فأما معنى الآية فإنما دفعتم به الأجوبة السابقة كلامًا، ولكننا نقتصر على الجواب الثالث، ونقول: إن نحو "ورِث فلانٌ فلانًا" يقتضي ظاهره إحرازَه جميعَ ماله، كما يشهد به الذوق، وصَّرح به السهيلي وغيره، وقدَّمنا له ثلاثة أوجه. وإطلاق أهل اللغة أن "ورِث" يتعدى إلى مفعولين وعدم تفرقتهم بين "ورثتُه" و"ورثتُ منه" إن خالف ما قلنا عارضناه بما تقدم من الاستدلال.
وقولكم في دفع الوجه الثاني "إن حذف المعمول إنما يؤذن بالعموم" حيث كان المقام يستدعي ذكره لو كان خاصًّا، ولا علة لتركه غير العموم=