وهؤلاء القليل يكثُر أن يكون أولَ ما بعثهم على الخروج عما كانوا عليه أغراض دنيوية.
ومن جهات الهوى أن يتعلق الاعتقاد بعذاب الآخرة، فتجد الإنسان يهوى أن لا يكون بعثٌ لئلا يؤخذ بذنوبه، فإن علِمَ أنه لا بد من البعث هَوِي أن لا يكون هناك عذاب، فإن علِمَ أنه لا بد من العذاب هَوِي أن لا يكون على مثله عذاب كما هو قول المرجئة، فإن علِمَ أن العصاة معذَّبون هَوِي التوسُّعَ في الشفاعة، وهكذا.
ومن الجهات أنه إذا شقَّ عليه عملٌ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هَوِي عدمَ وجوبه، وإذا ابتُلِي بشيء يشقُّ عليه أن يتركه كشرب المسكر هَوِي عدم حرمته. وكما يهوى ما يخفُّ عليه، فكذلك يهوى ما يخفُّ على من يميل إليه، وما يشتد على من يكرهه؛ فتجد القاضي والمفتي هذه حالهما. ومن المنتسبين إلى العلم من يهوَى ما يُعجِب الأغنياء وأهل الدنيا، أو ما يُعجب العامة، ليكون له جاه عندهم، وتُقْبِل عليه الدنيا. فما ظهرت بدعة، وهَوِيها الرؤساء والأغنياء وأتباعهم إلا هوِيَها وانتصر لها جمعٌ من المنتسبين إلى العلم. ولعل كثيرًا ممن يخالفها إنما الباعث لهم على مخالفتها هوًى آخر وافق الحقَّ. فأما من لا يكون له هوى إلا اتباع الحق فقليل، ولاسيّما في الأزمنة المتأخرة، وهؤلاء القليل يقتصرون على أضعف الإيمان، وهو الإنكار بقلوبهم والمسارَّة به فيما بينهم، إلا من شاء الله.
فإن قيل: فلماذا لم يجعل الله عز وجل جميع حجج الحق مكشوفةً قاهرةً لا تشتبه على أحد، فلا يبقى إلا مطيع يعلم هو وغيرُه أنه مطيع، وإلا